سكر جوز الهند: محلي طبيعي بديل صحي للسكر الأبيض
نشر في 11.08.2025
طبق تقليدي صمد أمام الزمن وتوارثته أجيال… فما السر وراء استمراره حتى اليوم؟ اكتشفوا القصة والنكهة التي لا تنسى.
عندما نتحدث عن الأطباق العربية التقليدية التي تجاوزت حدود الزمان والمكان، لا يمكن أن نتجاهل المنسف، الطبق الأردني العريق الذي لا يزال حاضرًا على الموائد منذ مئات السنين. فالمنسف ليس مجرد وجبة، بل هو رمز ثقافي واجتماعي يعكس أصالة المنطقة وتاريخها، ويجسد قيم الكرم والضيافة التي ارتبطت بالعرب على مر العصور. وفي هذا السياق، تعرفوا على أكلات أردنية مشهورة: إليكم قائمة من الأطعمة التي تروي قصص التراث.
تعود أصول المنسف إلى البادية الأردنية، حيث كان الطعام يعتمد على ما يتوفر من منتجات البيئة المحلية. فالمكون الأساسي والأكثر تميزًا في المنسف هو الجميد، وهو لبن مجفف يصنع من حليب الماعز أو الغنم، ويتميز بنكهته المميزة الحامضة وقابليته للحفظ لفترات طويلة من دون تبريد، مما جعله مثاليًا للبيئة الصحراوية.
أما اللحم المستخدم، فهو غالبًا لحم الغنم الطازج، الذي كان رمزًا للكرم عند البدو، إذ كانوا يذبحونه خصيصًا للضيوف والمناسبات. وكان يوضع اللحم فوق أرز مطبوخ بالسمن البلدي، ثم يسكب عليه مرق الجميد، ليكتمل المذاق الفريد الذي يميز المنسف عن أي طبق آخر.
لم يبق المنسف على المائدة لمئات السنين عبثًا، بل لأنه أصبح جزءًا من الهوية الأردنية نفسها. وفي المناسبات الوطنية، الأعراس، وحتى الجنازات، المنسف حاضر دائمًا. كما إنه الطبق الذي يجمع الناس حوله، حيث يأكل الجميع من طبق واحد كبير، في مشهد يعكس الوحدة والتقارب.
تقاليد تقديم المنسف لا تقل أهمية عن مكوناته. فالمنسف يوضع عادة في صينية كبيرة تتوسط المجلس، ويؤكل باليد اليمنى بطريقة جماعية، وهو أسلوب يعزز روح المشاركة ويجسد مفهوم الألفة. جربوا طريقه المنسف الاردني الاصلي.
هناك عدة عوامل جعلت المنسف يصمد أمام تغيرات الزمن:
لو حاولنا تحديد المكون الذي يعطي المنسف شخصيته، فسيكون الجميد بلا شك. وتحضيره تقليديًا عملية دقيقة تبدأ بغلي الحليب الطازج ثم تخثيره وصنع كرات صغيرة منه، تجفف تحت الشمس حتى تصبح صلبة. وهذه الطريقة سمحت للأجداد بحفظ اللبن لشهور، وهو ما كان ضرورة في بيئة قاسية قليلة الموارد.
اليوم، يتوفر الجميد في الأسواق بأشكال متعددة، بعضها طبيعي تقليدي، وبعضها صناعي لتسهيل التحضير، لكن عشاق المنسف الأصيل يؤكدون أن طعم الجميد البلدي لا يضاهى.
المنسف تجاوز كونه طعامًا ليصبح رسالة ثقافية. ففي الأردن، يقال إنكم إذا أكلتم منسف شخص، فقد دخلتم في “عزّه وضيافته”، وهو تعبير عن علاقة الاحترام المتبادلة بين الضيف والمضيف. كما أن طقوس أكله باليد لها بعد رمزي يعبر عن البساطة والتواضع.
حتى طريقة ترتيب الطبق لها دلالات: الخبز العربي يوضع في القاع، ثم الأرز، ثم اللحم، وأخيرًا الجميد، وفي بعض المناطق يزين بالصنوبر أو اللوز المحمص، في إشارة إلى الرفاهية والاعتناء بالضيف.
رغم أن وتيرة الحياة تغيرت، والمنسف لم يعد يحضر يدويًا دائمًا، إلا أنه ما زال يحتفظ بمكانته. ففي المدن الكبرى، أصبح هناك مطاعم متخصصة بالمنسف تقدم الطبق بنفس الروح التقليدية، مع لمسات عصرية في التقديم. كما أصبح المنسف حاضرًا في المهرجانات السياحية الأردنية، حيث يقدمه الطهاة كجزء من الهوية الوطنية للسياح.
وفي ظل العولمة، انتشر المنسف خارج الأردن، خصوصًا في دول الخليج، وأوروبا، وحتى أمريكا، حيث أسسه الأردنيون في جالياتهم كوسيلة للحفاظ على تقاليدهم وتعريف الآخرين بها.
مع انتشار المنسف عالميًا، ظهرت محاولات لتعديله، مثل استبدال الجميد باللبن العادي، أو استخدام لحوم أخرى، أو حتى تقديمه في أطباق فردية. ولكن كثيرين يرون أن هذه التغييرات تضعف روح الطبق الأصيلة. لذا، هناك جهود من الطهاة والمهتمين بالتراث للحفاظ على الطريقة التقليدية في التحضير والتقديم. إليكم طريقة عمل الجميد.
برأيي الشخصي كمحررة، إن المنسف ليس مجرد وجبة مشهورة، بل هو حكاية تاريخية وثقافية عمرها قرون. بقي على مر العصور لأنه يحمل في نكهاته وقيمه ما يتجاوز حدود المذاق، فهو يجمع الناس، يكرم الضيوف، ويحافظ على جذور الهوية الأردنية. وربما هذا هو السر الحقيقي وراء بقائه حتى اليوم. أنه أكثر من طعام، إنه قطعة من الذاكرة الجماعية.