ما هو الفرق بين الشاي العدني والكرك؟ إليكم كافة التفاصيل
نشر في 28.06.2025
في هذا المقال، نأخذكم في رحلة عبر الزمن لاكتشاف الثريد، أحد أقدم وأشهر الأطباق في المطبخ العربي. نستعرض مكوناته التقليدية وجذوره التاريخية.
في عالم المأكولات التقليدية، قليل من الأطباق يحظى بمكانة خاصة كما يحظى بها الثريد. هذه الوجبة العريقة التي جمعت بين البساطة والثراء، وبين المذاق العميق والدلالة الرمزية، ليست فقط طعامًا يؤكل، بل هي إرث ثقافي ارتبط بالدين، والتقاليد، والكرم العربي. فما هو الثريد؟ ولماذا ما زال يحضر إلى يومنا هذا رغم تغير الأزمنة وتبدل الأذواق؟ وقد يهمكم الاطلاع على أبرز الأكلات الشعبية القديمة المشهورة.
الثريد هو طبق عربي تقليدي يتكون من الخبز المقطع والمغموس في مرق اللحم أو الدجاج، وغالبًا ما يضاف إليه الخضروات مثل البطاطس والجزر والقرع، ويطهى حتى يتجانس الطعم ويصبح الخبز لينًا وغنيًا بالنكهة. كما يعرف الثريد في مناطق مختلفة من العالم العربي بأسماء مختلفة مثل “الفتة” أو “التشريب”، لكن جوهره واحد: الجمع بين الخبز والمرق ليشكلا وجبة مشبعة ودافئة.
يرتبط الثريد بتاريخ طويل يعود إلى ما قبل الإسلام، وكان شائعًا في حياة البدو وسكان الجزيرة العربية. ومن الملفت أن الثريد ذكر في الأحاديث النبوية، حيث رُوي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”، وهو ما يفسر على أن الثريد كان من أطيب الأطعمة وأحبها للناس في ذلك الوقت. وكان يعد من الأكلات الفاخرة رغم مكوناته البسيطة، لما فيه من دلالة على الكرم وسخاء المائدة.
ما يميز الثريد هو اعتماده على مكونات متوفرة في كل بيت عربي: الخبز، اللحم، الخضار، والبهارات. ولكن السر يكمن في طريقة الطهي والتقديم. حيث يطهى اللحم، سواء كان لحم غنم أو دجاج مع البهارات التقليدية مثل القرفة، الهيل، القرنفل، والكمون، ويترك حتى ينضج تمامًا وتصبح المرقة غنية ومركزة. ثم يقطّع الخبز، وغالبًا ما يكون من الخبز العربي أو خبز الرقاق إلى قطع صغيرة ويغمر في المرق، لتتشرب كل قطعة الخبز بالنكهة العميقة. وأحيانًا يضاف الثوم أو معجون الطماطم أو الليمون المجفف حسب المنطقة. كما يمكنكم الاطلاع على أطيب وألذ طريقة تحضير للثريد.
الثريد ليس مجرد طبق غذائي، بل هو تعبير عن الكرم والضيافة. وفي المناسبات الكبرى، كالأعراس أو في شهر رمضان، يحضّر الثريد بكميات كبيرة ويقدّم في أوعية ضخمة. وتكمن رمزية الثريد في جمع الناس حول طبق واحد، يتشاركونه بالأيدي، مما يعزز روح الجماعة والارتباط الاجتماعي. هو طعام يقدم بحب، ويؤكل بتأنٍ، ويتذكر لوقت طويل بعد تناوله.
رغم أن أصول الثريد تعود إلى الجزيرة العربية، إلا أنه انتشر وتنوعت طرق تحضيره عبر الدول العربية. في الإمارات والسعودية، يحضر غالبًا باللحم والقرع، ويعرف باسم “ثريد لحم”. وفي العراق، يوجد ما يسمى بـ “تشريب اللحم” حيث يستخدم الخبز العراقي الخاص ويضاف إليه اللحم المسلوق والمرق الثقيل. أما في مصر وبلاد الشام، فيشبه الفتة المصرية التي تحضر بالأرز والخبز والمرق والثوم. وفي المغرب العربي، توجد نسخ مماثلة لكنها تعتمد على الكسكس بدل الخبز.
رغم أن الثريد يعد من الأطباق التراثية، إلا أنه يتمتع بتركيبة غذائية تجعل منه وجبة متوازنة من الناحية الصحية. فعند تحضيره بلحم قليل الدهن وخضروات موسمية طازجة، فإنه يوفر البروتين الضروري لبناء العضلات، والألياف التي تدعم الهضم، والكربوهيدرات التي تمنح الجسم الطاقة. كما أن الخبز المغموس في المرق يمتص النكهات ويمنح إحساسًا سريعًا بالشبع، ما يقلل الحاجة لتناول كميات كبيرة.
من اللافت أن الثريد يحتل مكانة مميزة على موائد الإفطار في رمضان، خصوصًا في دول الخليج. كما يعتقد أنه طبق مثالي لما فيه من توازن بين البروتينات، الكربوهيدرات، والدهون، كما أنه دافئ وسهل الهضم بعد يوم طويل من الصيام. وتحضير الثريد في رمضان يصبح طقسًا بحد ذاته، تتوارثه الأمهات والجدات، ويشارك فيه الأبناء، في إشارة جميلة إلى استمرار تقاليد الطهي العائلية.
قد يتساءل البعض: ما الذي يجعل الثريد صامدًا حتى الآن؟ في زمن تتغير فيه الموضات الغذائية ويبحث فيه الناس عن كل ما هو جديد وسريع، نجد أن الثريد يحتفظ بمكانته. وربما يعود ذلك لسبب بسيط: هو طعام أصيل، يجمع بين الطعم الأصيل والدفء العاطفي. كما أنه لا يحتاج إلى تزيين مبالغ فيه، بل إلى نية طيبة ومكونات صادقة. ربما في بساطته سر من أسرار استمراره، وربما في ارتباطه بالهوية والانتماء ما يجعله أكثر من مجرد طعام. وفي سياق آخر، قد يهمكم الاطلاع على تاريخ المظبي وكيف تحول من أكلة بدوية إلى طبق فاخر
برأيي الشخصي كمحررة، إن الثريد ليس مجرد خبز ومرق، بل هو حكاية من الماضي، وتاريخ نلمسه في كل لقمة. وهو جزء من الثقافة العربية، يعكس أهمية الطعام في جمع الناس وتقوية الروابط بينهم. وحين نحافظ على هذا الطبق، فإننا نحافظ على جزء من هويتنا وذاكرتنا. وكل مرة نأكل فيها الثريد، لا نشبع جوعنا فقط، بل نعيد إحياء تراث الآباء والأجداد، ونورثه لمن يأتي بعدنا.